حينما ينحني القلم للحديث عنه.. فإنه لا يجد غير حبرٍ يسكبه حزناً لفقده.. ليس من السهل أبداً أن تصف مقدار الألم الذي يغرس مخالبه فيك ، حينما يكون سببه فقد شخص عزيز.. ليس عليك فقط!!! بل على العالم أجمع.. الوالد : الرديني بن فالح الدوسري..
ما إن تطأ قدمك أرض محافظة الأفلاج و تسأل عنه!! إلا أشار لك الجميع إلى بيته.. عَلَـماً خالداً.. و قصراً شامخاً.. و بقي كذلك حتى بعد رحيله..
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها ،،، فالذكر للإنسان عمر ثانٍ
كثيرون أولئك الذين دخلوا إلى عالمنا ، و عشنا معهم حقبة من الدهر ليست بالقصيرة لكن قليلون من هم تركوا لأنفسهم أثراً دلّ على وجودهم ، و حفروا في ذاكرتنا أجمل المواقف لهم..
اشتهر بالكرم و السخاء ، و كان ممن يبذل و لو كان به حاجة ،،
عُـرف بالتدين و الصلاح ( و قد كان إماماً لجامع الخرفة 60 عاما)..
أفنى حياته بين القرآن و المحراب و المنبر ، فقد كان رحمه الله من الذين ولّوا القرآن جلّ اهتمامهم فقام بحفظه و تدريسه و نشر العلم ، و قد تتلمذ على يده طلاب كثر ، من أشهرهم اليوم : الشيخ الدكتور / عبد الله المطلق.. عضو هيئة كبار العلماء و المستشار الشرعي في الديوان الملكي.. و العديد من المشايخ الذين تقلدوا مناصب كبيرة في الدولة..
والدنا الرديني من مواليد عام 1319 هـ ،، وُلــد في الخرفة و نشأ فيها ، ثم سافر للرياض و الخليج لطلب لقمة العيش ، ثم عاد ليتفرغ لتدريس القرآن و العلوم الشرعية..
اشتهر بالحلم و الأناة و الحكمة ، و حب الخير للناس و السعي للإصلاح بينهم..
:: كان من مواقفه رحمه الله و أسكنه فسيح جناته ::
في عام 1378 هـ أصيب الناس بقحط شديد ، فغارت الآبار و جف الماء ، و كان الشيخ الرديني و بعض جماعته في ناحية الخرفة يغرسون ، فجاء رجل من البادية يريد بلاد قحطان و معه قطيع كبير من الإبل قد أنهكها التعب و أعياها الظمأ ، فقال لهم الرجل: (تكفون يا جماعة الخير! إبلي بتموت من الظمأ).. و لم يكن في الخرفة حينها من الماء ما يكفيهم!!.. فقام إليه الشيخ الرديني - رحمه الله - و رحب به و قال: (أبشر بالخير).. و هدأه و قربه و قام بإكرامه غاية ما يكون الإكرام ، و اقترب رجل من شيخنا و قال له: ( يابو فالح! إن شربت الإبل متنا من الظمأ).. و لما سمع شيخنا قوله أعرض عنه و لم يرد عليه ، ثم قام و بعض جماعته يقربون الماء للإبل ، فكادت أن تقتتل على ورود الماء من شدة ما بها من عطش ، و شربت الماء كله حتى لم تبقِ منه شيء..
فلما رأى ذلك الرجل فعل الشيخ الرديني و كرمه معه ، و كيف أنه قدم الماء له و لإبله على نفسه و جماعته ، قام إليه و كان معه (جنبية ذهبية) يريد أعطائها للشيخ الرديني ، الذي ما كان منه إلا أن ردها إليه بغضب و قال: (أنت ضيف عندنا ، و لك حق علينا).. فما كان من الرجل إلا أن استقبل القبلة و رفع يديه و عيناه تفيض من الدمع و قال بصوت مسموع: (يا رب ! أكرموني فأكرمهم .. يا رب أغثنا.. يا رب أغثنا)..
و لم يلبثوا إلا قليلاً حتى اجتمعت الغيوم فوقهم (و كانوا في فترة قيظ).. و أُمطروا بغزارة ، حتى مُـلئت آبارهم ، و ارتوت أراضيهم..
فقال الشيخ الرديني لما سمع دعاء الرجل: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }
توفي شيخنا رحمه الله ، في الخرفة بالأفلاج عام 1421 هـ ،، عن عمر تجاوز المئة عام ،، سنوات شهدت له بجميل تعامله و كرم أخلاقه ،، فكان ممن خلّـد من خلفه أثراً ، و في قصصه للناس عبراً..
و قد دوّن اسمه في سجل رواد التعليم في المملكة ، و الذي أصدرته وزارة التربية و التعليم مؤخراً..
فرحم الله شيخنا رحمة واسعة و أسكنه فردوساً عالية..